ضابط سوفييتي مقرب من «جمال»: ناصر .. كان الشخص المناسب في الوقت المناسب
آخر الرومانسيين في السياسة .. احترم محاوريه الجديرين وحافظ على كلمته
غير مبالٍ بالمقتنيات والرفاهية الشخصية .. وعاش فقط من أجل المصالح الأيديولوجية والسياسية
عاش طوال حياته في نفس المنزل على أراضي معسكر للجيش في حي العباسية
طباخ عبد الناصر كان يشتري الخبز من متجر مقابل لمنزل الرئيس واللحوم والخضروات من أقرب محل
قبل وفاته ظهرت عليه آثار سريعة للشيخوخة .. أصبحت عيناه أكثر حزنا وكان كئيبا ومحبطا خاصة بعد 1967
على الرغم من الاختلاف حول شخصية جمال عبد الناصر، إلا أنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة ليس في مصر فقط بل وفي الدول العربية، وحسب تقرير لـ «روسيا اليوم»، ربما يكون وصف الشاعر السوري نزار قباني لعبد الناصر في مرثية شهيرة بأنه “هرم رابع”، أصدق دلالة على مكانته المعنوية بعد رحيله المادي.
ضابط الأمن السوفيتي فاديم كيربيتشينكو الذي عمل في مصر حوالي 10 سنوات، قال عن عبد الناصر: إنه “الشخص المناسب في الوقت المناسب”.
كيربيتشينكو الذي عرف عبد الناصر عن قرب، كتب عنه يقول: “كنت مهتما للغاية بشخصية ناصر: كنت أحاول باستمرار معرفة أكبر قدر ممكن عنه. ربما يكون ناصر واحدا من آخر الرومانسيين في السياسة: لقد احترم محاوريه الجديرين، وحافظ على كلمته، وآمن بمستقبل سعيد لشعبه”.
الضابط السوفيتي الرفيع السابق في جهاز “كي جي بي” والأمن الخارجي يقول في وصف شعبية عبد الناصر: “لا يكفي أن نقول إن عبد الناصر يتمتع بمكانة عالية في جميع أنحاء العالم العربي. لقد أحبه العرب حقا وكانوا فخورين به. لقد مثل الأمل في مستقبل أفضل لهم. في جميع البلدان العربية، يمكن رؤية صور ناصر على جدران المنازل الخاصة والمحلات التجارية والمقاهي.. لقد دهشت شخصيا من كثرة صور ناصر وإظهار مشاعر الاحترام والتقدير غير العاديين له في ليبيا الملكية. قضيت بضعة أيام هناك في نوفمبر 1963 واكتشفت أنه يوجد حرفيا في كل متجر في البازار في طرابلس صورة ملونة كبيرة لناصر، وبجانبها صورة صغيرة بالأبيض والأسود لإدريس”، ويقصد ملك ليبيا في ذلك الوقت محمد إدريس السنوسي الذي أطيح به في عام 1969
كيربيتشينكو تطرق أيضا إلى مظاهر التقشف في حياة عبد الناصر وكتب عن ذلك يقول: “كان ناصر غير مبال تماما بالمقتنيات والرفاهية الشخصية، وأكثر من ذلك بأي نوع من الاكتناز، وعاش فقط من أجل المصالح الأيديولوجية والسياسية. هذه الصفات في ناصر تتضح جيدا من خلال منزله. عاش طوال حياته في نفس المنزل على أراضي معسكر للجيش في حي العباسية، والذي حظي به بصفته (عسكري برتبة) بكباشي- مقدم في الجيش المصري. في وقت لاحق، تم تحديث المنزل قليلا فقط”
الضابط السوفيتي رصد أيضا أن الزعيم المصري الراحل “قاوم إغراء ترقية رتبته العسكرية، بخلاف العديد من الحكام العسكريين تقريبا”.
يتوقف كيربيتشينكو مجددا عند “تواضع” عبد الناصر ويقول: “انتشرت الكثير من الحكايات الطويلة عن حياة ناصر الشخصية في الصحافة الغربية، وظهرت على وجه الخصوص منشورات بشكل منهجي عن نقل رأس ماله الخاص إلى البنوك السويسرية. لكن الواقع، وقبل كل شيء، كان أسلوب حياة عبد الناصر المتواضع في تناقض صارخ مع هذه التصريحات لدرجة أن مثل هذه “الفقاعات من الدعايات المتضحمة” انفجرت واحدة تلو الأخرى ولم يبق منها شيء في النهاية. بعد وفاة عبد الناصر، لم يوجد في حسابه الخاص سوى 600 جنيه مصري”.
ضابط “الكي بي جي” يروي أن الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف سأل ذات مرة عبد الناصر أثناء زيارة قام بها إلى موسكو في أبريل مايو عام 1958 عما يفعله في أوقات فراغه، “أجاب ناصر أنه يمارس في ساعات فراغه النادرة هواية التصوير. تلا ذلك محادثة حول هذا الموضوع، قال خلالها خروتشوف إن مظهر الفيلم الملون أفضل بكثير من الأسود والأبيض. رد ناصر قائلا إنه لا يستطيع تحمل تكلفة فيلم ملون”.
من بين الأمور المثيرة التي كشف عنها كيربيتشينكو قوله إن “طباخ عبد الناصر كان يشتري الخبز من متجر مقابل لمنزل الرئيس، واللحوم والخضروات من أقرب بازار «محل». لم تكن هناك سيطرة طبية على الطعام، ولم يكن أحد قلقا بشأن ذلك. في ذلك الوقت لم يكن هناك منظومة إنذار موثوق بها في النظام الأمني للمباني التي عاش وعمل فيها ناصر”.
هذا الضابط رصد حالة عبد الناصر بدقة مشيرا إلى أنه على الرغم من “القوة والثقة ” التي تنبعث من شخصيته، تتبين لمن خالطه لفترة طويلة “حالته العصبية والتعب المزمن المرتبط بقلة النوم المستمرة والعمل فوق طاقته”.
كيربيتشينكو لفت أيضا إلى أن عبد الناصر قبل وفاته كانت تظهر عليه آثار سريعة للشيخوخة، كما تغير تعبير عينيه وأصبحتا أكثر حزنا، وكان كئيبا ومحبطا في سنواته الأخيرة وخاصة بعد هزيمة عام 1967.